حينما أرسل المولى -عز وجل- رسوله للبشرية ليخرج الناس من الظلمات إلى النور، كان مجتمع مكة جاهليًّا -جاهلية العبادة؛ يعبدون الأصنام التي صنعوها، ويتقربون إليها وهم يعلمون جيدًا أنها لا تغني ولا تسمن من جوع، ولكن أخذتهم العزة بالإثم، وقالوا: "هذا ما وجدونا عليه آباءنا"، وجاهلية اجتماعية/ في العلاقات الاجتماعية، من وأد للبنات وشرب للخمر وتعدد للزوجات وقطع للأرحام، لقد كان المجتمع المكي جاهليًّا على كافة المستويات.
إننا الآن في 2015 في عصر تكنولوجيا الاتصال والعلم، لكننا نعيش جاهلية اجتماعية ما أنزل الله بها من سلطان، نعبد الله.. نعم، لكننا وإن كنا لا نقر بأننا نعبد من دونه العادات والتقاليد وما تركه لنا الأجداد، إلا إننا نقدسها -ربما- حد العبادة!
في مجتمعنا المؤمن الذي لا يشرك بالله شيئًا يضيع الحق بين الناس وتؤكل الأموال بالباطل وتقطع الأرحام وتفسد العلاقات الاجتماعية باسم العادات والتقاليد!
في مجتمعنا تضيع حقوق النساء في الميراث، يضيعها الآباء والأمهات ربما قبل الإخوة الذكور؛ فتجد الأب يبني ويمتلك ويؤسس فقط من أجل أولاده الذكور، ويقف المجتمع متفرجًا، بل يناصره في هذا من منطلق أنه حقه حتى لا يذهب ماله لرجل آخر (زوج البنت!).
هناك سؤال شائع، كثيرًا ما سأله الشيوخ على الفضائيات وعلى منابر الجمعة: (لو كان بيننا الرسول -صلوات ربي وسلامه عليه- ماذا سيقول عنا؟)، عادة ما كانت تدور أطروحات الشيوخ حول العبادات، ونادرًا ما اقتربت من السلوكيات والتعاملات، سيغضب رسول الله من المقصر في صلاته.. نعم، لكنه بكل تأكيد سيغضب أيضًا من قاطع رحمه، أو ممن يأكل أموال اليتامى والأرامل بالباطل!
سيغضب من المقصرات في حجابهن، لكنه سيغضب أيضًا من جلسات الغيبة والنميمة التي تقيمها النساء في تجمعاتهم!
تلك هي جاهليتكم التي ابتدعتموها باسم العادات والتقاليد، والملام هنا ليس العامة من الناس فقط، فالعامة على خطى أهل العلم والدين تسير، بل إنها دعوة لأهل العلم وأصحاب المنابر والخطب، جددوا خطبكم، حاربوا جاهلية العادات والتقاليد، ما فائدة مجتمع يقيم الليل ويصلي بالنهار ويصوم ويزكي وتنتشر فيه السرقات وقطع الأرحام.
نحن نعيش الجاهلية المجتمعية لكن بنسختها المحدثة التي تواكب العصر، لا فرق بيننا وبين مجتمع مكة ما قبل البعثة.. اللهم إلا إننا لا نشرك بالله شيئا!